سورة المؤمنون - تفسير تفسير الشوكاني

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (المؤمنون)


        


قوله: {ثُمَّ أَنشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ} أي من بعد إهلاكهم {قُرُوناً ءَاخَرِينَ} قيل: هم قوم صالح ولوط وشعيب كما وردت قصتهم على هذا الترتيب في الأعراف وهود، وقيل: هم بنو إسرائيل. والقرون الأمم، ولعل وجه الجمع هنا للقرون والإفراد فيما سبق قريباً: أنه أراد ها هنا أمماً متعدّدة وهناك أمة واحدة. ثم بين سبحانه كمال علمه وقدرته في شأن عباده فقال: {مَّا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَئخِرُونَ} أي ما تتقدّم كل طائفة مجتمعة في قرن آجالها المكتوبة لها في الهلاك ولا تتأخر عنها، ومثل ذلك قوله تعالى: {فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ} [النحل: 61].
ثم بين سبحانه أن رسله كانوا بعد هذه القرون متواترين، وأن شأن أممهم كان واحداً في التكذيب لهم فقال: {ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تترا} والجملة معطوفة على الجملة التي قبلها بمعنى: أن إرسال كل رسول متأخر عن إنشاء القرن الذي أرسل إليه، لا على معنى أنّ إرسال الرسل جميعاً متأخر عن إنشاء تلك القرون جميعاً، ومعنى {تتراً}: تتواتر واحداً بعد واحد ويتبع بعضهم بعضاً، من الوتر وهو الفرد. قال الأصمعي: واترت كتبي عليه: أتبعت بعضها بعضاً إلا أن بين كل واحد منها وبين الآخر مهلة.
وقال غيره: المتواترة المتتابعة بغير مهلة. قرأ ابن كثير، وابن عمرو {تترى} بالتنوين على أنه مصدر. قال النحاس: وعلى هذا يجوز {تترى} بكسر التاء الأولى؛ لأن معنى {ثم أرسلنا}: واترنا، ويجوز أن يكون في موضع الحال، أي متواترين {كُلَّ مَا جَاء أُمَّةً رَّسُولُهَا كَذَّبُوهُ} هذه الجملة مستأنفة مبينة لمجيء كل رسول لأمته على أن المراد بالمجيء: التبليغ {فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُمْ بَعْضاً} أي في الهلاك بما نزل بهم من العذاب {وجعلناهم أَحَادِيثَ} الأحاديث جمع أحدوثة، وهي ما يتحدّث به الناس كالأعاجيب جمع أعجوبة، وهي ما يتعجب الناس منه. قال الأخفش: إنما يقال جعلناهم أحاديث في الشرّ، ولا يقال في الخير، كما يقال: صار فلان حديثاً، أي عبرة، وكما قال سبحانه في آية أخرى: {فجعلناهم أَحَادِيثَ ومزقناهم كُلَّ مُمَزَّقٍ} [سبأ: 19]. قلت: وهذه الكلية غير مسلمة فقد يقال: صار فلان حديثاً حسناً، ومنه قول ابن دريد في مقصورته:
وإنما المرء حديث بعده *** فكن حديثاً حسناً لمن روى
{فَبُعْداً لّقَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ} وصفهم هنا بعدم الإيمان، وفيما سبق قريباً بالظلم لكون كل من الوصفين صادراً عن كل طائفة من الطائفتين، أو لكون هؤلاء لم يقع منهم إلا مجرّد عدم التصديق، وأولئك ضموا إليه تلك الأقوال الشنيعة التي هي من أشد الظلم وأفظعه.
ثم حكى سبحانه ما وقع من فرعون وقومه عند إرسال موسى وهارون إليهم فقال: {ثُمَّ أَرْسَلْنَا موسى وَأَخَاهُ هارون بئاياتنا} هي التسع المتقدّم ذكرها غير مرّة، ولا يصح عدّ فلق البحر منها هنا؛ لأن المراد: الآيات التي كذبوا بها واستكبروا عنها.
والمراد بالسلطان المبين: الحجة الواضحة البينة. قيل: هي الآيات التسع نفسها، والعطف من باب:
إلى الملك القرم وابن الهمام ***
وقيل: أراد العصي؛ لأنها أمّ الآيات، فيكون من باب عطف جبريل على الملائكة. وقيل: المراد بالآيات: التي كانت لهما، وبالسلطان: الدلائل. المبين: التسع الآيات، والمراد بالملأ في قوله: {إلى فِرْعَوْنَ وَمَلإِيْهِ} هم الأشراف منهم كما سبق بيانه غير مرّة {عَادٌ فاستكبروا} أي: طلبوا الكبر وتكلفوه فلم ينقادوا للحق {وَكَانُواْ قَوْماً عالين} قاهرين للناس بالبغي والظلم، مستعلين عليهم، متطاولين كبراً وعناداً وتمرّداً، وجملة: {فَقَالُواْ أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا} معطوفة على جملة: {استكبروا} وما بينهما اعتراض، والاستفهام للإنكار، أي كيف نصدق من كان مثلنا في البشرية؟ والبشر يطلق على الواحد كقوله: {بَشَراً سَوِيّاً} [مريم: 17] كما يطلق على الجمع كما في قوله: {فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ البشر أَحَداً} [مريم: 26]. فتثنيته هنا هي باعتبار المعنى الأول، وأفرد المثل لأنه في حكم المصدر، ومعنى {وَقَوْمُهُمَا لَنَا عابدون}: أنهم مطيعون لهم منقادون لما يأمرونهم به كانقياد العبيد. قال المبرّد: العابد: المطيع الخاضع. قال أبو عبيدة: العرب تسمي كل من دان الملك: عابداً له. وقيل: يحتمل أنه كان يدّعي الإلهية فدعى الناس إلى عبادته فأطاعوه، واللام في: {لَنَا} متعلقة ب {عابدون}، قدّمت عليه لرعاية الفواصل، والجملة حالية {فَكَذَّبُوهُمَا} أي فأصّروا على تكذيبهما. {فَكَانُواْ مِنَ المهلكين} بالغرق في البحر.
ثم حكى سبحانه ما جرى على قوم موسى بعد إهلاك عدوّهم فقال: {وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا موسى الكتاب} يعني التوراة، وخصّ موسى بالذكر؛ لأن التوراة أنزلت عليه في الطور، وكان هارون خليفته في قومه. {لَّعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ} أي لعلّ قوم موسى يهتدون بها إلى الحق، ويعملون بما فيها من الشرائع، فجعل سبحانه إيتاء موسى إياها إيتاء لقومه؛ لأنها وإن كانت منزلة على موسى فهي لإرشاد قومه. وقيل: إن ثمّ مضافاً محذوفاً أقيم المضاف إليه مقامه، أي آتينا قوم موسى الكتاب. وقيل: إن الضمير في: {لَعَلَّهُمْ} يرجع إلى فرعون وملائه، وهو وهم؛ لأن موسى لم يؤت التوراة إلا بعد إهلاك فرعون وقومه، كما قال سبحانه: {وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا مُوسَى الكتاب مِن بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا القرون الأولى} [القصص: 43].
ثم أشار سبحانه إلى قصة عيسى إجمالاً فقال: {وَجَعَلْنَا ابن مَرْيَمَ وَأُمَّهُ ءَايَةً} أي علامة تدلّ على عظيم قدرتنا، وبديع صنعنا، وقد تقدّم الكلام على هذا في آخر سورة الأنبياء في تفسير قوله سبحانه: {وجعلناها وابنها ءايَةً للعالمين} [الأنبياء: 91]. ومعنى قوله: {وآويناهما إلى ربوة} إلى مكان مرتفع، أي جعلناهما يأويان إليها.
قيل: هي أرض دمشق، وبه قال عبد الله بن سلام وسعيد بن المسيب ومقاتل. وقيل: بيت المقدس، قاله قتادة وكعب وقيل: أرض فلسطين، قاله السديّ. {ذَاتِ قَرَارٍ} أي ذات مستقرّ يستقرّ عليه ساكنوه {وَمَعِينٍ} أي وماء معين. قال الزجاج: هو الماء الجاري في العيون، فالميم على هذا زائدة كزيادتها في منبع. وقيل: هو فعيل بمعنى مفعول. قال عليّ بن سليمان الأخفش: معن الماء: إذا جرى فهو معين وممعون وكذا قال ابن الأعرابي: وقيل: هو مأخوذ من الماعون، وهو النفع، وبمثل ما قال الزجاج قال الفرّاء: {ياأيها الرسل كُلُواْ مِنَ الطيبات} قال الزجاج: هذه مخاطبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ودلّ الجمع على أن الرسل كلهم كذا أمروا؛ وقيل: إن هذه المقالة خوطب بها كل نبيّ، لأن هذه طريقتهم التي ينبغي لهم الكون عليها، فيكون المعنى: وقلنا: يا أيها الرسل خطاباً لكل واحد على انفراده، لاختلاف أزمنتهم.
وقال ابن جرير: إن الخطاب لعيسى.
وقال الفرّاء: هو كما تقول للرجل الواحد: كفوا عنا، و{الطيبات}: ما يستطاب ويستلذّ، وقيل: هي الحلال، وقيل: هي ما جمع الوصفين المذكورين. ثم بعد أن أمرهم بالأكل من الطيبات أمرهم بالعمل الصالح فقال: {واعملوا صالحا} أي عملاً صالحاً وهو ما كان موافقاً للشرع، ثم علل هذا الأمر بقوله: {إِنّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} لا يخفى عليّ شيء منه، وإني مجازيكم على حسب أعمالكم إن خيراً فخير، وإن شرّاً فشرّ.
{وَإِنَّ هذه أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحدة} هذا من جملة ما خوطب به الأنبياء، والمعنى: أن هذه ملتكم وشريعتكم أيها الرسل ملة واحدة، وشريعة متحدة يجمعها أصل هو أعظم ما بعث الله به أنبياءه وأنزل فيه كتبه، وهو دعاء جميع الأنبياء إلى عبادة الله وحده لا شريك له. وقيل: المعنى إن هذا الذي تقدّم ذكره هو دينكم وملتكم فالزموه على أن المراد بالأمة هنا: الدين، كما في قوله: {إِنَّا وَجَدْنَا ءَابَاءنَا على أمة} [الزخرف: 22]، ومنه قول النابغة:
حلفت فلم أترك لنفسك ريبة *** وهل يأثمن ذو أمة وهو طائع
قرئ بكسر: {إن} على الاستئناف المقرّر لما تقدّمه، وقرئ بفتحها وتشديدها. قال الخليل: هي في موضع نصب لما زال الخافض، أي أنا عالم بأن هذا دينكم الذي أمرتكم أن تؤمنوا به.
وقال الفرّاء: إن متعلقة بفعل مضمر، وتقديره: واعلموا أن هذه أمتكم.
وقال سيبويه: هي متعلقة ب {اتقون}، والتقدير: فاتقون لأن أمتكم أمة واحدة، والفاء في: {فاتقون} لترتيب الأمر بالتقوى على ما قبله من كونه ربكم المختصّ بالربوبية، أي لا تفعلوا ما يوجب العقوبة عليكم مني بأن تشركوا بي غيري، أو تخالفوا ما أمرتكم به أو نهيتكم عنه.
ثم ذكر سبحانه ما وقع من الأمم من مخالفتهم لما أمرهم به الرسل فقال: {فَتَقَطَّعُواْ أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُراً} والفاء لترتيب عصيانهم على ما سبق من الأمر بالتقوى، والضمير يرجع إلى ما يدلّ عليه لفظ الأمة، والمعنى: أنهم جعلوا دينهم مع اتحاده قطعاً متفرّقة مختلفة. قال المبرّد: زبراً: فرقاً وقطعاً مختلفة، واحدها زبور، وهي الفرقة والطائفة، ومثله: الزبرة وجمعها زبر، فوصف سبحانه الأمم بأنهم اختلفوا، فاتبعت فرقة التوراة، وفرقة الزبور، وفرقة الإنجيل ثم حرّفوا وبدّلوا، وفرقة مشركة تبعوا ما رسمه لهم آباؤهم من الضلال. قرئ: {زبراً} بضم الباء جمع زبور، وقرئ بفتحها، أي قطعاً كقطع الحديد {كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} أي: كل فريق من هؤلاء المختلفين {بما لديهم} أي بما عندهم من الدين {فرحون} أي معجبون به.
{فَذَرْهُمْ فِى غَمْرَتِهِمْ حتى حِينٍ} أي اتركهم في جهلهم، فليسوا بأهل للهداية، ولا يضق صدرك بتأخير العذاب عنهم، فلكلّ شيء وقت. شبه سبحانه ما هم فيه من الجهل بالماء الذي يغمر من دخل فيه. والغمرة في الأصل: ما يغمرك ويعلوك، وأصله الستر. والغمر: الماء الكثير؛ لأنه يغطي الأرض، وغمر الرداء هو الذي يشمل الناس بالعطاء، ويقال للحقد: الغمر، والمراد هنا: الحيرة والغفلة والضلالة، والآية خارجة مخرج التهديد لهم، لا مخرج الأمر له صلى الله عليه وسلم بالكفّ عنهم، ومعنى {حتى حِينٍ}: حتى يحضر وقت عذابهم بالقتل، أو حتى يموتوا على الكفر فيعذّبون في النار.
{أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ} أي أيحسبون إنما نعطيهم في هذه الدنيا من الأموال والبنين. {نُسَارِعُ} به {لَهُمْ} فيما فيه خيرهم وإكرامهم، والهمزة للإنكار، والجواب عن هذا مقدّر يدلّ عليه قوله: {بَل لاَّ يَشْعُرُونَ} لأنه عطف على مقدّر ينسحب إليه الكلام، أي كلا لا نفعل ذلك بل هم لا يشعرون بشيء أصلاً كالبهائم التي لا تفهم ولا تعقل، فإن ما خوّلناهم من النعم وأمددناهم به من الخيرات إنما هو استدراج لهم ليزدادوا إثماً، كما قال سبحانه: {إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْمَاً} [آل عمران: 178]. قال الزجاج: المعنى: نسارع لهم به في الخيرات، فحذفت به، و{ما} في: {إنما} موصولة، والرابط هو هذا المحذوف.
وقال الكسائي: إن أنما هنا حرف واحد فلا يحتاج إلى تقدير رابط. قيل: يجوز الوقف على بنين. وقيل: لا يحسن، لأن يحسبون يحتاج إلى مفعولين، فتمام المفعولين في الخيرات. قال ابن الأنباري: وهذا خطأ؛ لأن {ما} كافة. وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي وعبد الرحمن ابن أبي بكرة: {يسارع} بالياء التحتية على أن فاعله ما يدلّ عليه أمددنا، وهو الإمداد، ويجوز أن يكون المعنى: يسارع الله لهم. وقرأ الباقون: {نسارع} بالنون.
قال الثعلبي: وهذه القراءة هي الصواب لقوله: نمدّهم.
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا} قال: يتبع بعضهم بعضاً. وفي لفظ قال: بعضهم على إثر بعض.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة {يَهْتَدُونَ وَجَعَلْنَا ابن مَرْيَمَ وَأُمَّهُ ءايَةً} قال: ولدته من غير أب.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع بن {أنس} آية قال: عبرة.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس: {وآويناهما إلى ربوة} قال: الربوة المستوية، والمعين: الماء الجاري، وهو النهر الذي قال الله: {قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيّاً} [مريم: 24].
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه: {وآويناهما إلى ربوة} قال: هي المكان المرتفع من الأرض، وهو أحسن ما يكون فيه النبات {ذَاتِ قَرَارٍ}: ذات خصب. والمعين: الماء الظاهر.
وأخرج وكيع والفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وتمام الرازي وابن عساكر. قال السيوطي: بسند صحيح عن ابن عباس في قوله: {إلى رَبْوَةٍ} قال: أنبئنا أنها دمشق.
وأخرج ابن عساكر عن عبد الله بن سلام مثله. وكذا أخرجه ابن أبي حاتم عنه.
وأخرج ابن عساكر عن أبي أمامة مرفوعاً نحوه، وإسناده ضعيف.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم، والطبراني في الأوسط، وابن مردويه وابن عساكر عن مرة البهزي، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «الربوة الرملة».
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم، والحاكم في الكنى، وابن عساكر عن أبي هريرة قال: هي الرملة من فلسطين.
وأخرجه ابن مردويه من حديثه مرفوعاً.
وأخرج الطبراني وابن السكن وابن منده وأبو نعيم وابن عساكر عن الأقرع بن شفي العكي مرفوعاً نحوه.
وأخرج أحمد ومسلم وغيرهما عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا أيها الناس، إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال: {ياأيها الرسل كُلُواْ مِنَ الطيبات واعملوا صالحا إِنّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ}. وقال: {ياأيها الذين ءامَنُواْ كُلُواْ مِن طَيّبَاتِ مَا رزقناكم} [البقرة: 172]» ثم ذكر: «الرجل يطيل السفر أشعث أغبر، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، يمدّ يديه إلى السماء: يا ربّ يا ربّ، فأنى يستجاب لذلك».
وأخرج سعيد بن منصور عن حفص الفزاري في قوله: {ياأيها الرسل كُلُواْ مِنَ الطيبات} قال: ذلك عيسى بن مريم يأكل من غزل أمه.
وأخرجه عبدان في الصحابة عن حفص مرفوعاً، وهو مرسل؛ لأن حفصاً تابعي.


لما نفي سبحانه الخيرات الحقيقية عن الكفرة المتنعمين أتبع ذلك بذكر من هو أهل للخيرات عاجلاً وآجلاً فوصفهم بصفات أربع: الأولى: قوله: {إِنَّ الذين هُم مّنْ خَشْيةِ رَبّهِمْ مُّشْفِقُونَ} الإشفاق: الخوف، تقول: أنا مشفق من هذا الأمر، أي خائف. قيل: الإشفاق هو الخشية، فظاهر ما في الآية التكرار.
وأجيب بحمل الخشية على العذاب، أي من عذاب ربهم خائفون، وبه قال الكلبي ومقاتل.
وأجيب أيضاً بحمل الإشفاق على ما هو أثر له: وهو الدوام على الطاعة، أي الذين هم من خشية ربهم دائمون على طاعته.
وأجيب أيضاً بأن الإشفاق كمال الخوف فلا تكرار. وقيل: هو تكرار للتأكيد. والصفة الثانية: قوله: {والذين هُم بئايات رَبَّهِمْ يُؤْمِنُونَ} قيل: المراد بالآيات: هي التنزيلية. وقيل: هي التكوينية. وقيل: مجموعهما. قيل: وليس المراد بالإيمان بها: هو التصديق بوجودها فقط. فإن ذلك معلوم بالضرورة ولا يوجب المدح، بل المراد: التصديق بكونها دلائل وأن مدلولها حق. والصفة الثالثة: قوله: {والذين هُم بِرَبّهِمْ لاَ يُشْرِكُونَ} أي يتركون الشرك تركاً كلياً ظاهراً وباطناً. والصفة الرابعة: قوله: {والذين يُؤْتُونَ مَا ءاتَواْ وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إلى رَبّهِمْ راجعون} أي يعطون ما أعطوا وقلوبهم خائفة من أجل ذلك الإعطاء يظنون أن ذلك لا ينجيهم من عذاب الله، وجملة: {وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ} في محل نصب على الحال، أي والحال أن قلوبهم خائفة أشدّ الخوف. قال الزجاج: قلوبهم خائفة لأنهم إلى ربهم راجعون، وسبب الوجل هو أن يخافوا أن لا يقبل منهم ذلك على الوجه المطلوب، لا مجرّد رجوعهم إليه سبحانه. وقيل: المعنى: أن من اعتقد الرجوع إلى الجزاء والحساب وعلم أن المجازي والمحاسب هو الربّ الذي لا تخفى عليه خافية لم يخل من وجل. وقرأت عائشة وابن عباس والنخعي {يَأْتُونَ مَا أَتَواْ} مقصوراً من الإتيان. قال الفراء: ولو صحت هذه القراءة لم تخالف قراءة الجماعة؛ لأن من العرب من يلزم في الهمز الألف في كل الحالات. قال النحاس: ومعنى هذه القراءة: يعملون ما عملوا.
والإشارة بقوله: {أولئك} إلى المتصفين بهذه الصفات، ومعنى {يسارعون فِي الخيرات}: يبادرون بها. قال الفرّاء والزجاج: ينافسون فيها، وقيل: يسابقون، وقرئ: {يسرعون}. {وَهُمْ لَهَا سابقون} اللام للتقوية، والمعنى: هم سابقون إياها. وقيل: اللام بمعنى إلى، كما في قوله: {بِأَنَّ رَبَّكَ أوحى لَهَا} [الزلزلة: 5]. أي أوحى إليها، وأنشد سيبويه قول الشاعر:
تجانف عن أهل اليمامة ناقتي *** وما قصدت من أهلها لسوائكا
أي إلى سوائكا. وقيل: المفعول محذوف، والتقدير: وهم سابقون الناس لأجلها. ثم لما انجر الكلام إلى ذكر أعمال المكلفين ذكر لهما حكمين: الأوّل: قوله: {وَلاَ نُكَلّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا} الوسع هو: الطاقة، وقد تقدّم بيان هذا في آخر سورة البقرة.
وفي تفسير الوسع قولان: الأوّل: أنه الطاقة، كما فسره بذلك أهل اللغة. الثاني: أنه دون الطاقة، وبه قال مقاتل والضحاك والكلبي. والمعتزلة قالوا: لأن الوسع إنما سمي وسعاً؛ لأنه يتسع على فاعله فعله ولا يضيق عليه، فمن لم يستطع الجلوس فليوم إيماء، ومن لم يستطع الصوم فليفطر. وهذه الجملة مستأنفة للتحريض على ما وصف به السابقون من فعل الطاعات المؤدّي إلى نيل الكرامات ببيان سهولته وكونه غير خارج عن حدّ الوسع والطاقة، وأن ذلك عادة الله سبحانه في تكليف عباده، وجملة: {وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنطِقُ بالحق} من تمام ما قبلها من نفي التكليف بما فوق الوسع والمراد بالكتاب: صحائف الأعمال، أي عندنا كتاب قد أثبت فيه أعمال كل واحد من المكلفين على ما هي عليه، ومعنى {يَنطِقُ بالحق}: يظهر به الحق المطابق للواقع من دون زيادة ولا نقص، ومثله قوله سبحانه: {هذا كتابنا يَنطِقُ عَلَيْكُم بالحق إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [الجاثية: 29]. وفي هذا تهديد للعصاة وتأنيس للمطيعين من الحيف والظلم. وقيل: المراد بالكتاب: اللوح المحفوظ، فإنه قد كتب فيه كل شيء. وقيل: المراد بالكتاب: القرآن، والأوّل أولى. وفي هذه الآية تشبيه للكتاب بمن يصدر عنه البيان بالنطق بلسانه، فإن الكتاب يعرب عما فيه كما يعرب الناطق المحق، وقوله: {بالحق}، يتعلق ب {ينطق} أو بمحذوف هو حال من فاعله، أي ينطق ملتبساً بالحق، وجملة: {وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ} مبينة لما قبلها من تفضله وعدله في جزاء عباده، أي لا يظلمون بنقص ثواب أو بزيادة عقاب، ومثله قوله سبحانه: {وَوَجَدُواْ مَا عَمِلُواْ حَاضِرًا وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} [الكهف: 49]، ثم أضرب سبحانه عن هذا فقال: {بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مّنْ هذا} والضمير للكفار، أي بل قلوب الكفار في غمرة غامرة لها عن هذا الكتاب الذي ينطق بالحق، أو عن الأمر الذي عليه المؤمنون، يقال غمره الماء: إذا غطاه، ونهر غمر: يغطي من دخله، والمراد بها هنا: الغطاء والعمه أو الحيرة والعمى، وقد تقدّم الكلام على الغمرة قريباً {وَلَهُمْ أعمال مّن دُونِ ذلك} قال قتادة ومجاهد: أي لهم خطايا لا بدّ أن يعملوها من دون الحق.
وقال الحسن وابن زيد: المعنى: ولهم أعمال رديئة لم يعملوها من دون ما هم عليه لا بدّ أن يعملوها فيدخلون بها النار، فالإشارة بقوله: {ذلك} إما إلى أعمال المؤمنين، أو إلى أعمال الكفار، أي لهم أعمال من دون أعمال المؤمنين التي ذكرها الله، أو من دون أعمال الكفار التي تقدّم ذكرها من كون قلوبهم في غفلة عظيمة مما ذكر، وهي فنون كفرهم ومعاصيهم التي من جملتها ما سيأتي من طعنهم في القرآن.
قال الواحدي: إجماع المفسرين وأصحاب المعاني على أن هذا إخبار عما سيعملونها من أعمالهم الخبيثة التي كتبت عليهم لا بدّ لهم أن يعملوها، وجملة: {هُمْ لَهَا عاملون} مقرّرة لما قبلها، أي واجب عليهم أن يعملوها فيدخلوا بها النار لما سبق لهم من الشقاوة لا محيص لهم عن ذلك.
ثم رجع سبحانه إلى وصف الكفار فقال: {حتى إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ بالعذاب} حتى هذه هي التي يبتدأ بعدها الكلام، والكلام هو الجملة الشرطية المذكورة، وهذه الجملة مبينة لما قبلها، والضمير في: {مترفيهم} راجع إلى من تقدّم ذكره من الكفار. والمراد بالمترفين: المتنعمين منهم، وهم الذين أمدهم الله بما تقدم ذكره من المال والبنين، أو المراد بهم الرؤساء منهم. والمراد بالعذاب هو: عذابهم بالسيف يوم بدر، أو بالجوع بدعاء النبيّ صلى الله عليه وسلم عليهم حيث قال: «اللّهم اشدد وطأتك على مضر واجعلها عليهم سنين كسني يوسف» وقيل: المراد بالعذاب: عذاب الآخرة؛ ورجح هذا بأن ما يقع منهم من الجؤار إنما يكون عند عذاب الآخرة، لأنه الاستغاثة بالله ولم يقع منهم ذلك يوم بدر ولا في سني الجوع، ويجاب عنه بأن الجؤار في اللغة: الصراخ والصياح. قال الجوهري: الجؤار مثل الخوار. يقال: جأر، الثور يجأر أي صاح.
وقد وقع منهم ومن أهلهم وأولادهم عندما أن عذبوا بالسيف يوم بدر، وبالجوع في سني الجوع، وليس الجؤار ها هنا مقيد بالجؤار الذي هو التضرّع بالدعاء حتى يتم ما ذكره ذلك القائل، وجملة: {إذا هم يجأرون} جواب الشرط، وإذا هي الفجائية، والمعنى: حتى إذا أخذنا مترفيهم بالعذاب فاجئوا بالصراخ.
ثم أخبر سبحانه أنه يقال لهم حينئذٍ على جهة التبكيت: {لاَ تَجْئَرُواْ اليوم} فالقول مضمر، والجملة مسوقة لتبكيتهم وإقناطهم وقطع أطماعهم، وخصص سبحانه المترفين مع أن العذاب لاحق بهم جميعاً واقع على مترفيهم وغير مترفيهم؛ لبيان أنهم بعد النعمة التي كانوا فيها صاروا على حالة تخالفها وتباينها، فانتقلوا من النعيم التامّ إلى الشقاء الخالص، وخصّ اليوم بالذكر للتهويل، وجملة: {إِنَّكُمْ مّنَّا لاَ تُنصَرُونَ} تعليل للنهي عن الجؤار، والمعنى: إنكم من عذابنا لا تمنعون ولا ينفعكم جزعكم. وقيل المعنى: إنكم لا يلحقكم من جهتنا نصرة تمنعكم مما دهمكم من العذاب.
ثم عدّد سبحانه عليهم قبائحهم توبيخاً لهم فقال: {قَدْ كَانَتْ ءَايَتِي تتلى عَلَيْكُمْ} أي في الدنيا؛ وهي آيات القرآن {فَكُنتُمْ على أعقابكم تَنكِصُونَ} أي ترجعون وراءكم، وأصل النكوص: أن يرجع القهقرى، ومنه قول الشاعر:
زعموا أنهم على سبل الحق *** وأنا نكص على الأعقاب
وهو هنا استعارة للإعراض عن الحق، وقرأ عليّ بن أبي طالب: {على أدباركم} بدل: {على أعقابكم تَنكِصُونَ} بضم الكاف، وعلى أعقابكم متعلق ب {تنكصون} أو متعلق بمحذوف وقع حالاً من فاعل تنكصون {مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ} الضمير في: {به} راجع إلى البيت العتيق، وقيل: للحرم، والذي سوّغ الإضمار قبل الذكر اشتهارهم بالاستكبار به وافتخارهم بولايته والقيام به، وكانوا يقولون: لا يظهر علينا أحد لأنا أهل الحرم وخدّامه.
وإلى هذا ذهب جمهور المفسرين. وقيل: الضمير عائد إلى القرآن، والمعنى: أن سماعه يحدث لهم كبراً وطغياناً فلا يؤمنون به. قال ابن عطية: وهذا قول جيد.
وقال النحاس: القول الأوّل أولى وبينه بما ذكرنا. فعلى القول الأوّل يكون {به} متعلقاً ب {مستكبرين}، وعلى الثاني يكون متعلقاً ب {سامرا} لأنهم كانوا يجتمعون حول البيت بالليل يسمرون، وكان عامة سمرهم ذكر القرآن والطعن فيه، والسامر كالحاضر في الإطلاق على الجمع. قال الواحدي: السامر: الجماعة يسمرون بالليل، أي يتحدّثون، ويجوز أن يتعلق {بِهِ} بقوله: {تَهْجُرُونَ} والهجر بالفتح: الهذيان، أي تهذون في شأن القرآن، ويجوز أن يكون من الهجر بالضم، وهو الفحش. وقرأ ابن مسعود وابن عباس وابن عمر وأبو حيوة: {سمرا} بضم السين وفتح الميم مشدّدة، وقرأ زيد بن علي وأبو رجاء {سمارا} ورويت هذه القراءة عن ابن عباس، وانتصاب {سامرا} على الحال، إما من فاعل {تنكصون} أو من الضمير في {مستكبرين} وقيل: هو مصدر جاء على لفظ الفاعل، يقال: قوم سامر، ومنه قول الشاعر:
كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا *** أنيس ولم يسمر بمكة سامر
قال الراغب: ويقال: سامر وسمار، وسمر وسامرون. قرأ الجمهور: {تهجرون} بفتح التاء المثناة من فوق وضم الجيم. وقرأ نافع. وابن محيصن بضم التاء وكسر الجيم من أهجر، أي أفحش في منطقه. وقرأ زيد بن علي وابن محيصن وأبو نهيك بضم التاء وفتح الهاء وكسر الجيم مشدّدة مضارع هجر بالتشديد. وقرأ ابن أبي عاصم كالجمهور إلا أنه بالياء التحتية، وفيه التفات.
وقد أخرج الفريابي وأحمد وعبد بن حميد والترمذي وابن ماجه، وابن أبي الدنيا في نعت الخائفين، وابن جرير، وابن المنذر وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه، وابن مردويه، والبيهقي في الشعب عن عائشة قالت: قلت: يا رسول الله، قول الله: {والذين يُؤْتُونَ مَا ءَاتَواْ وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ} أهو الرجل يسرق ويزني ويشرب الخمر وهو مع ذلك يخاف الله؟ قال: «لا ولكنه الرجل يصوم ويتصدق ويصلي، وهو مع ذلك يخاف الله أن لا يتقبل منه».
وأخرج ابن أبي الدنيا وابن جرير، وابن الأنباري في المصاحف وابن مردويه عن أبي هريرة قال: قالت عائشة: يا رسول الله، فذكر نحوه.
وأخرج عبد الرزاق عن ابن عباس في قوله: {والذين يُؤْتُونَ مَا ءَاتَواْ} قال: يعطون ما أعطوا.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه في قوله: {وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ} قال: يعملون خائفين.
وأخرج الفريابي وابن جرير عن ابن عمر {والذين يُؤْتُونَ مَا ءاتَواْ} قال: الزكاة.
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر عن عائشة: {والذين يُؤْتُونَ مَا ءاتَواْ} قالت: هم الذين يخشون الله ويطيعونه.
وأخرج عبد بن حميد عن ابن أبي مليكة قال: قالت عائشة: لأن تكون هذه الآية كما أقرأ أحبّ إليّ من حمر النعم، فقال لها ابن عباس: ما هي؟ قالت: {الذين يُؤْتُونَ مَا ءَاتَواْ} وقد قدّمنا ذكر قراءتها ومعناها.
وأخرج سعيد بن منصور وابن مردويه عنها، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قرأ: {والذين يُؤْتُونَ مَا ءَاتَواْ} مقصوراً من المجيء.
وأخرج سعيد بن منصور وأحمد وعبد بن حميد، والبخاري في تاريخه، وابن المنذر وابن أبي شيبة، وابن الأنباري في المصاحف، والدارقطني في الأفراد، والحاكم وصححه، وابن مردويه عن عبيد بن عمير؛ أنه سأل عائشة: كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ هذه الآية: {والذين يُؤْتُونَ مَا ءَاتَواْ}؟ قالت: أيتهما أحبّ إليك؟ قلت: والذي نفسي بيده لأحدهما أحبّ إليّ من الدنيا وما فيها جميعاً، قالت: أيهما؟ قلت: {الذين يَأْتُونَ مَا ءاتَواْ} فقالت: أشهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرؤها كذلك، وكذلك أنزلت، ولكن الهجاء حرّف. وفي إسناده إسماعيل بن عليّ وهو ضعيف.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {أولئك يسارعون فِي الخيرات وَهُمْ لَهَا سابقون} قال: سبقت لهم السعادة من الله.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مّنْ هذا} يعني بالغمرة: الكفر والشك {وَلَهُمْ أعمال مّن دُونِ ذلك} يقول: أعمال سيئة دون الشرك {هُمْ لَهَا عاملون} قال: لا بدّ لهم أن يعملوها.
وأخرج النسائي عنه: {حتى إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ بالعذاب} قال: هم أهل بدر.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضاً في قوله: {إذا هم يجأرون} قال: يستغيثون، وفي قوله: {فَكُنتُمْ على أعقابكم تَنكِصُونَ} قال: تدبرون، وفي قوله: {سامرا تَهْجُرُونَ} قال: تسمرون حول البيت وتقولون هجراً.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه {مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ} قال: بحرم الله أنه لا يظهر عليهم فيه أحد.
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عنه أيضاً: {سامرا تَهْجُرُونَ} قال: كانت قريش يتحلقون حلقاً يتحدّثون حول البيت.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني، والحاكم وصححه، وابن مردويه عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ: {مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سامرا تَهْجُرُونَ} قال: كان المشركون يهجرون برسول الله صلى الله عليه وسلم في القول في سمرهم.
وأخرج النسائي وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه، وابن مردويه عن ابن عباس قال: إنما كره السمر حين نزلت هذه الآية: {مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سامرا تَهْجُرُونَ}.


قوله: {أَفَلَمْ يَدَّبَّرُواْ القول} بين سبحانه أن سبب إقدامهم على الكفر هو أحد هذه الأمور الأربعة: الأوّل: عدم التدبر في القرآن، فإنهم لو تدّبروا معانيه لظهر لهم صدقه وآمنوا به وبما فيه، والهمزة للإنكار والفاء للعطف على مقدّر، أي فعلوا ما فعلوا فلم يتدبروا، والمراد بالقول: القرآن، ومثله: {أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ القرءان} [النساء: 82، محمد: 24]. والثاني قوله: {أم جاءهم مَّا لَمْ يَأْتِ ءابَاءهُمُ الأولين} أم هي المنقطعة، أي بل جاءهم من الكتاب ما لم يأتِ آباءهم الأوّلين، فكان ذلك سبباً لاستنكارهم للقرآن، والمقصود: تقرير أنه لم يأتِ آباءهم الأوّلين رسول؛ فلذلك أنكروه، ومثله قوله: {لِتُنذِرَ قَوْماً مَّا أُنذِرَ ءابَاؤُهُمْ} [ياس: 6]. وقيل: إنه أتى آباءهم الأقدمين رسل أرسلهم الله إليهم. كما هي سنّة الله سبحانه في إرسال الرسل إلى عباده، فقد عرف هؤلاء ذلك، فكيف كذبوا هذا القرآن؟ وقيل: المعنى: أم جاءهم من الأمن من عذاب الله ما لم يأتِ آباءهم الأوّلين كإسماعيل ومن بعده. والثالث: قوله: {أَمْ لَمْ يَعْرِفُواْ رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ} وفي هذا إضراب وانتقال من التوبيخ بما تقدّم إلى التوبيخ بوجه آخر، أي بل ألم يعرفوه بالأمانة والصدق فأنكروه، ومعلوم أنهم قد عرفوه بذلك. والرابع: قوله: {أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ} وهذا أيضاً انتقال من توبيخ إلى توبيخ، أي بل أتقولون به جنة، أي جنون، مع أنهم قد علموا أنه أرجح الناس عقلاً، ولكنه جاء بما يخالف هواهم فدفعوه وجحدوه تعصباً وحمية. ثم أضرب سبحانه عن ذلك كله فقال: {بَلْ جَاءهُمْ بالحق} أي ليس الأمر كما زعموا في حق القرآن والرسول، بل جاءهم ملتبساً بالحق، والحق هو: الدين القويم: {وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقّ كارهون} لما جبلوا عليه من التعصب، والانحراف عن الصواب، والبعد عن الحق، فلذلك كرهوا هذا الحق الواضح الظاهر، وظاهر النظم أن أقلهم كانوا لا يكرهون الحق، ولكنهم لم يظهروا الإيمان خوفاً من الكارهين له.
وجملة: {وَلَوِ اتبع الحق أَهْوَاءهُمْ} مستأنفة مسوقة لبيان أنه لو جاء الحق على ما يهوونه ويريدونه لكان ذلك مستلزماً للفساد العظيم، وخروج نظام العالم عن الصلاح بالكلية، وهو معنى قوله: {لَفَسَدَتِ السموات والأرض وَمَن فِيهِنَّ} قال أبو صالح وابن جريج ومقاتل والسديّ: الحق: هو الله، والمعنى: لو جعل مع نفسه كما يحبون شريكاً لفسدت السموات والأرض.
وقال الفراء والزجاج: يجوز أن يكون المراد بالحق: القرآن، أي لو نزل القرآن بما يحبون من الشرك لفسد نظام العالم. وقيل: المعنى: ولو كان الحق ما يقولون من اتحاد الآلهة مع الله لاختلفت الآلهة، ومثل ذلك قوله: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلاَّ الله لَفَسَدَتَا} [الأنبياء: 22] وقد ذهب إلى القول الأوّل الأكثرون، ولكنه يرد عليه أن المراد بالحق هنا هو: الحق المذكور قبله في قوله: {بَلْ جَاءهُمْ بالحق} ولا يصح أن يكون المراد به هنالك الله سبحانه، فالأولى تفسير الحق هنا وهناك: بالصدق الصحيح من الدين الخالص من شرع الله، والمعنى: ولو ورد الحق متابعاً لأهوائهم موافقاً لفاسد مقاصدهم لحصل الفساد، والمراد بقوله: {وَمَن فِيهِنَّ} من في السموات والأرض من المخلوقات.
وقرأ ابن مسعود: {وما بينهما} وسبب فساد المكلفين من بني آدم ظاهر، وهو ذنوبهم التي من جملتها الهوى المخالف للحق، وأما فساد ما عداهم فعلى وجه التبع؛ لأنهم مدبرون في الغالب بذوي العقول فلما فسدوا فسدوا.
ثم ذكر سبحانه أن نزول القرآن عليهم من جملة الحق فقال: {بَلْ أتيناهم بِذِكْرِهِمْ} والمراد بالذكر هنا القرآن، أي بالكتاب الذي هو فخرهم وشرفهم، ومثله قوله: {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ} [الزخرف: 44]. والمعنى: بل آتيناهم بفخرهم وشرفهم الذي كان يجب عليهم أن يقبلوه، ويقبلوا عليه.
وقال قتادة: المعنى: بذكرهم الذي ذكر فيه ثوابهم وعقابهم. وقيل: المعنى بذكر ما لهم به حاجة من أمر الدين. وقرأ ابن أبي إسحاق وعيسى بن عمر: {أتيتهم} بتاء التكلم. وقرأ أبو حيوة والجحدري: {أتيتهم} بتاء الخطاب، أي أتيتهم يا محمد. وقرأ عيسى بن عمر: {بذكراهم}. وقرأ قتادة: {نذكرهم} بالنون والتشديد من التذكير، وتكون الجملة على هذه القراءة في محل نصب على الحال. وقيل: الذكر هو: الوعظ والتحذير {فَهُمْ عَن ذِكْرِهِمْ مُّعْرِضُونَ} أي هم بما فعلوا من الاستكبار والنكوص عن هذا الذكر المختص بهم معرضون لا يلتفتون إليه بحال من الأحوال، وفي هذا التركيب ما يدل على أن إعراضهم مختص بذلك لا يتجاوزه إلى غيره.
ثم بين سبحانه أن دعوة نبيه صلى الله عليه وسلم ليست مشبوهة بأطماع الدنيا فقال: {أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً} و{أم} هي المنقطعة، والمعنى: أم يزعمون أنك تسألهم خرجاً تأخذه على الرسالة، والخرج: الأجر والجعل، فتركوا الإيمان بك وبما جئت به لأجل ذلك، مع أنهم يعلمون أنك لم تسألهم ذلك ولا طلبته منهم {فَخَرَاجُ رَبّكَ خَيْرٌ} أي فرزق ربك الذي يرزقك في الدنيا، وأجره الذي يعطيكه في الآخرة خير لك مما ذكر. قرأ حمزة والكسائي والأعمش ويحيى ابن وثاب: {أم تسألهم خراجاً}، وقرأ الباقون: {خرجا} وكلهم قرؤوا {فَخَرَاجُ} إلا ابن عامر وأبا حيوة فإنهما قرآ: {فخرج} بغير ألف. والخرج: هو الذي يكون مقابلاً للدخل، يقال لكل ما تخرجه إلى غيرك: خرجاً، والخراج غالب في الضريبة على الأرض. قال المبرد: الخرج: المصدر، والخراج: الاسم. قال النضر بن شميل: سألت أبا عمرو بن العلاء عن الفرق بين الخرج والخراج فقال: الخراج ما لزمك، والخرج ما تبرعت به.
وروي عنه أنه قال: الخرج من الرقاب، والخراج من الأرض {وَهُوَ خَيْرُ الرازقين} هذه الجملة مقرّرة لما قبلها من كون خراجه سبحانه خير.
ثم لما أثبت سبحانه لرسوله من الأدلة الواضحة المقتضية لقبول ما جاء به ونفى عنه أضداد ذلك قال: {وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إلى صراط مُّسْتَقِيمٍ} أي إلى طريق واضحة تشهد العقول بأنها مستقيمة غير معوجة، والصراط في اللغة: الطريق، فسمي الدين طريقاً لأنها تؤدّي إليه. ثم وصفهم سبحانه بأنهم على خلاف ذلك فقال: {وَإِنَّ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالآخرة عَنِ الصراط لناكبون} يقال: نكب عن الطريق ينكب نكوباً: إذا عدل عنه ومال إلى غيره، والنكوب والنكب: العدول والميل، ومنه النكباء للريح بين ريحين، سميت بذلك لعدولها عن المهابّ، و{عن الصراط} متعلق ب {ناكبون}، والمعنى: أن هؤلاء الموصوفين بعدم الإيمان بالآخرة عن ذلك الصراط أو جنس الصراط لعادلون عنه.
ثم بين سبحانه أنهم مصرّون على الكفر لا يرجعون عنه بحال فقال: {وَلَوْ رحمناهم وَكَشَفْنَا مَا بِهِمْ مّن ضُرّ} أي من قحط وجدب {لَّلَجُّواْ فِي طغيانهم} أي لتمادوا في طغيانهم وضلالهم {يَعْمَهُونَ} يتردّدون ويتذبذبون ويخبطون. وأصل اللجاج: التمادي في العناد، ومنه اللجة بالفتح لتردّد الصوت، ولجة البحر تردّد أمواجه، ولجة الليل تردد ظلامه. وقيل: المعنى: لو رددناهم إلى الدنيا ولم ندخلهم النار وامتحناهم للجوا في طغيانهم.
{وَلَقَدْ أخذناهم بالعذاب} جملة مستأنفة مسوقة لتقرير ما قبلها. والعذاب قيل: هو الجوع الذي أصابهم في سني القحط. وقيل: المرض. وقيل: القتل يوم بدر، واختاره الزجاج. وقيل: الموت. وقيل: المراد من أصابه العذاب من الأمم الخالية {فَمَا استكانوا لِرَبّهِمْ} أي ما خضعوا ولا تذللوا، بل أقاموا على ما كانوا فيه من التمرّد على الله والانهماك في معاصيه {وَمَا يَتَضَرَّعُونَ} أي وما يخشعون لله في الشدائد عند إصابتها لهم، ولا يدعونه لرفع ذلك {حتى إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَاباً ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ} قيل: هو عذاب الآخرة. وقيل: قتلهم يوم بدر بالسيف. وقيل: القحط الذي أصابهم. وقيل: فتح مكة {إِذَا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ} أي: متحيرون، لا يدرون ما يصنعون. والإبلاس: التحير والإياس من كل خير. وقرأ السلمي: {مبلسون} بفتح اللام من أبلسه، أي أدخله في الإبلاس.
وقد تقدّم في الأنعام.
{وَهُوَ الذي أَنْشَأَ لَكُمُ السمع والابصار} امتنّ عليهم ببعض النعم التي أعطاهم، وهي نعمة السمع والبصر {والأفئدة} فصارت هذه الأمور معهم ليسمعوا المواعظ وينظروا العبر ويتفكروا بالأفئدة فلم ينتفعوا بشيء من ذلك لإصرارهم على الكفر وبعدهم عن الحق، ولم يشكروه على ذلك ولهذا قال: {قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ} أي شكراً قليلاً حقيراً غير معتدّ به باعتبار تلك النعم الجليلة.
وقيل: المعنى: أنهم لا يشكرونه ألبتة، لا أن لهم شكراً قليلاً. كما يقال لجاحد النعمة: ما أقلّ شكره، أي: لا يشكره، ومثل هذه الآية قوله: {فَمَا أغنى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلاَ أبصارهم وَلاَ أَفْئِدَتُهُمْ} [الأحقاف: 26]. {وَهُوَ الذي ذَرَأَكُمْ فِى الأرض} أي: بثكم فيها كما تبث الحبوب لتنبت وقد تقدّم تحقيقه {وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} أي تجمعون يوم القيامة بعد تفرّقكم.
{وَهُوَ الذي يُحي وَيُمِيتُ} على جهة الانفراد والاستقلال، وفي هذا تذكير لنعمة الحياة، وبيان الانتقال منها إلى الدار الآخرة {وَلَهُ اختلاف اليل والنهار} قال الفراء: هو الذي جعلهما مختلفين يتعاقبان ويختلفان في السواد والبياض. وقيل: اختلافهما: نقصان أحدهما وزيادة الآخر. وقيل: تكرّرها يوماً بعد يوم وليلة بعد ليلة {أَفلاَ تعقلون} كنه قدرته وتتفكرون في ذلك. ثم بين سبحانه أنه لا شبهة لهم في إنكار البعث إلا التشبث بحبل التقليد المبنيّ على مجرد الاستبعاد فقال: {بَلْ قَالُواْ مِثْلَ مَا قَالَ الأولون} أي آباؤهم والموافقون لهم في دينهم. ثم بين ما قاله الأوّلون فقال: {قَالُواْ أئذا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وعظاما أَءنَّا لَمَبْعُوثُونَ} فهذا مجرّد استبعاد لم يتعلقوا فيه بشيء من الشبه، ثم كملوا ذلك القول بقولهم: {لَقَدْ وُعِدْنَا نَحْنُ وَءَابَاؤُنَا هذا مِن قَبْلُ} أي وعدنا هذا البعث ووعده آباؤنا الكائنون من قبلنا فلم نصدّقه كما لم يصدّقه من قبلنا، ثم صرّحوا بالتكذيب وفرّوا إلى مجرّد الزعم الباطل فقالوا: {إِنْ هذا إِلاَّ أساطير الأولين} أي ما هذا إلا أكاذيب الأولين التي سطروها في الكتب جمع أسطورة كأحدوثة، والأساطير: الأباطيل والترهات والكذب.
وقد أخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي صالح في قوله: {أَمْ لَمْ يَعْرِفُواْ رَسُولَهُمْ} قال: عرفوه ولكنهم حسدوه. وفي قوله: {وَلَوِ اتبع الحق أَهْوَاءهُمْ} قال: الحق: الله عزّ وجلّ.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {بَلْ أتيناهم بِذِكْرِهِمْ} قال: بينا لهم، وأخرجوا عنه في قوله: {عَنِ الصراط لناكبون} قال: عن الحقّ لحائدون.
وأخرج النسائي وابن جرير وابن أبي حاتم، والطبراني، والحاكم وصححه، وابن مردويه، والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس قال: جاء أبو سفيان إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد أنشدك الله والرحم، فقد أكلنا العلهز، يعني الوبر بالدم، فأنزل الله: {وَلَقَدْ أخذناهم بالعذاب فَمَا استكانوا لِرَبّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ}، وأصل الحديث في الصحيحين: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا على قريش حين استعصوا فقال: «اللّهم أعني عليهم بسبع كسبع يوسف» الحديث.
وأخرج ابن جرير وأبو نعيم في المعرفة، والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس: أن ابن أثال الحنفي لما أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم وهو أسير فخلى سبيله لحق باليمامة.
فحال بين أهل مكة وبين الميرة من اليمامة حتى أكلت قريش العلهز، فجاء أبو سفيان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أليس تزعم أنك بعثت رحمة للعالمين؟ قال: «بلى». قال: فقد قتلت الآباء بالسيف والأبناء بالجوع، فأنزل الله: {وَلَقَدْ أخذناهم بالعذاب} الآية.
وأخرج العسكري في المواعظ عن عليّ بن أبي طالب في قوله: {فَمَا استكانوا لِرَبّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ} قال: أي لم يتواضعوا في الدعاء ولم يخضعوا، ولو خضعوا لله لاستجاب لهم.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن مردويه عن ابن عباس في قوله: {حتى إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَاباً ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ} قال: قد مضى، كان يوم بدر.

1 | 2 | 3